(ننشر هذا الخطاب التاريخي الذي يتضمن الخطوط الأساسية لبرنامج الحزب السوري القومي السياسي. وقد كان هذا الخطاب في جملة المواد التي حوكم بها الزعيم ومعاونوه المحاكمة الأولى التاريخية.
ألقى الزعيم هذا الخطاب في أول يونيو/حزيران 1935، أي نحو ستة أشهر قبل انكشاف أمر الحزب السوري القومي. ومن قراءة هذا الخطاب يتضح للعام والخاص موقف الزعيم من السياسة الداخلية والخارجية وسياسة الحزب القومي العامة. والظاهر أنّ الذين رموا الحزب بتهمة العمل لمصلحة دولة أجنبية لم يطَّلعوا على هذا الخطاب القومي، الذي أطلق في جسم الأمة تياراً كهربائياً فحرَّكه وأنهضه وأراه نفسه والعالم، فكان كـلامهم تلفيقاً وتـأويـلاً. فالزعيم حـارب الـدعـاوات الأجنبيـة ووضع قواعد الاستقلال الفكري وربط مصير الأمة بإرادتها هي بعد أن كانت مربوطة بالإرادات الأجنبية. ولا بد هنا من الإشارة إلى أنّ سعاده كان أول من استعمل عبارة «إرادات أجنبية»، وكان ذلك في هذا الخطاب الخطير.
إنّ الذين يقرأون هذا الخطاب بإمعان يدركون منه حقيقة الفكرة القومية السامية التي يقوم بها الحزب السوري القومي، ويرون أنّ هذه الفكرة هي فكرة أصلية منبثقة من حـاجـة الأمة ومصالحها الأساسية ومعبرة عن إرادة الأمة بواسطة نهضتها، والذين يريدون مناقشة الحزب القومي أفكاره يجب أن يعودوا إلى النصوص التي تُظهر سياسة الحزب العامة لا أن يستندوا إلى تلفيقات الرجعيين وأعداء الأمة وعبيد «الإرادات الأجنبية» الذين تؤذيهم رؤية الأمة تنهض من مرقد غفلتها لتحاسب الذين باعوا ميراثها القومي واقتسموا ثيابها بالقرعة، وإلى القارىء نص الخطاب:)
منذ الساعة التي أخذت فيها عقيدتنا القومية تجمع بين الأفكار والعواطف، وتلمّ شمل قوات الشباب المعرضة للتفرقة بين عوامل الفوضى القومية والسياسية المنتشرة في طول بيئتنا وعرضها، وتكوِّن من هذا الجمع وهذا اللم نظاماً جديداً ذا أساليب جديدة يستمد حياته من القومية الجديدة، هو نظام الحزب السوري القومي - منذ تلك الساعة انبثق الفجر من بعد الليل، وخرجت الحركة من الجمود وانطلقت من وراء الفوضى قوة النظام، وأصبحنا أمة بعد أن كنا قطعاناً بشرية، وغدونا دولة تقوم على أربع دعائم: الحرية، الواجب، النظام، القوة، التي ترمز إليها أربعة أطراف الزوبعة القومية الممثلة في علم الحزب السوري القومي.
منـذ تـلك السـاعة نقضـنا بالفعل حكم التـاريخ وابتدأنا تاريخنا الصحيح تاريخ الحرية والواجب والنظام والقوة، تاريخ الحزب السـوري القومي، تاريخ الأمة السورية الحقيقي.
منذ الساعة التي عقدنا فيها القلوب والقبضات على الوقوف معاً والسقوط معاً في سبيل تحقيق المطلب الأعلى المعلن في مبادىء الحزب السوري القومي وفي غايته، وضعنا أيدينا على المحراث ووجَّهنا نظرنا إلى الأمام إلى المثال الأعلى، وصرنا جماعة واحدة، وأمة حية تريد الحياة الحرة الجميلة، أمة تحب الحياة لأنها تحب الحرية، وتحب الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة.
لم يكن للشعب السوري، قبل تكوين الحزب السوري القومي، قضية قومية بالمعنى الصحيح. كل ما كان هنالك تململ من حالات غير طبيعية لا يمكن الشعب السوري أن يأنس إليها أو يجد فيها سداً لحاجاته الحيوية.
وقـد تـزَعَّم جمـاعـة تململ الشعب وجعلوا همَّهم استثمار هذا التململ لينالوا مكانة يطمعون بها، واستندوا في تزعمهم إلى بقية نفوذ عائلي مستمد من مبادىء زمن عتيق، تجعل الشعب قطائع موقوفة على عائلات معينة تُبذل مصالح الشعب في سبيل نفوذها. ورأى هؤلاء المتزعمون أنّ العائلة والبيت لا يكفيان في هذا العصر لدعم التزعم فلجأوا إلى كلمات محبوبة لدى الشعب، كلمات الحرية والاستقلال والمبادىء، وتلاعبوا بهذه الألفاظ، المقدسة متى كانت تدل على مثال أعلى لأمة حية، الفاسدة متى كانت وسيلة من وسائل التزعم وستاراً تلعب وراءه الأهواء والأغراض، خصوصاً المبادىء، ففيها يجب أن تتجلى حيوية الأمة وحاجاتها الأساسية. أما المتزعمون فقد اتخذوا من الشعب وسيلة للتعبير عن بعض المبادىء، فعكسوا الآية بطريقة لبقة، وقد يكون ذلك عن جهل مطبق، وكوَّنوا قضية مضحكة مبكية هي قضية جعل الشعب وقفاً على مبادئهم وتضحيته في سبيل تلك المبادىء. وقد كادوا ينجحون في تضحيته. وبديهي أن لا تكون هذه القضية قضية قومية إلا للذين ضلّوا ضلالاً بعيداً.
ففي هذا الزمن الذي هو زمن تنازع الأمم البقاء، وفي هذا الوقت الحرج وشعبنا تعمل فيه عوامل الفساد والتجزئة والملاشاة القومية، انبثق الحزب السوري القومي كما ينبثق الفجر من أشد ساعات الليل حلكاً ليعلن مبدأ جديداً هو مبدأ الإرادة - إرادة شعب حي يريد سيادته على نفسه ووطنه ليحقق مثله العليا - إرادة الحياة لأمة حية - مبدأ أنّ المبادىء توجد للشعوب لا الشعوب للمبادىء - مبدأ أنّ كل مبدأ لا يخدم سيادة الشعب نفسه ووطنه هو مبدأ فاسد - مبدأ أنّ كل مبدأ صحيح يجب أن يكون لخدمة حياة الأمة.
ليس الحزب السوري القومي، إذاً، جمعية أو حلقة، كما قد يكون لا يزال عالقاً بأذهان بعض الأعضاء، الذين لـمّا يسمح لهم الوقت بالوقوف على المبدأ الحيوي الذي ينطوي عليه الحزب السوري القومي وعلى حاجة الأمة السورية في هذا العصر. إنّ الحزب السوري القومي لأكثر كثيراً من جمعية تضم عدداً من الأعضاء أو حلقة وجدت لفئة من الناس أو من الشباب. إنه فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها، إنه تجدد أمة توهّم المتوهمون أنها قضت إلى الأبد، لأن العوامل العديدة التي عملت على قتل روحيتها القومية كانت أعظم كثيراً من أن تتحمل أمة عادية نتائجها ويبقى لها كيان أو أمل بكيان، إنه نهضة أمة غير عادية - أمة ممتازة بمواهبها متفوقة بمقدرتها غنية بخصائصها - أمة لا ترضى القبر مكاناً لها تحت الشمس.
هذا هو الحزب السوري القومي للذين وحَّدوا إيمانهم وعقائدهم فيه، هذا هو الحزب السوري القومي للذين وحَّدوا قوَّتهم فيه، هذا هو الحزب السوري القومي للأمة السورية.
إنّ الغرض الذي أنشىء له هذا الحزب غرض أسمى، هو جعل الأمة السورية هي صاحبة السيادة على نفسها ووطنها. فقبل وجود الحزب السوري القومي كان مصير هذه الأمة معلقاً على إرادات خارجية وكانت أنظارنا دائماً تتجه إلى الإرادات الخارجية بعد أن نكيف أنفسنا وفاقاً لها، أما الآن فقد غيّر وجود الحزب السوري القومي الموقف. إنّ إرادتنا نحن هي التي تقرر كل شيء فنحن نقف على أرجلنا وندافع عن حقنا في الحياة بقوّتنا. ومن الآن فصاعداً تدير إرادتنا نحن دفة الأمور. كل عضو في الحزب السوري القومي يشعر أنه آخذ في التحرُّر من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية المخضعة، لأنه يشعر أنّ الحزب هو بمثابة دولته المستقلة التي لا تستمد قوَّتها من انتداب ولا تستند إلى نفوذ خارجي.
الحقيقة أيها الرفقاء، أننا قد ترابطنا في هذا الحزب لأجل عمل خطير جداً، هو إنشـاء دولتنـا وليكون كل واحد منا رعيـة دولتـه المستقلـة، والعمـل ولا شـك شـاق فهل نعجـز عنـه؟
إنّ الجواب على هذا السؤال يختلج في نفوسنا ويتردد ضمن صدورنا، وقد يخرج من حلوقنا ولكن إثباته على صفحات التاريخ يتوقف على جهادنا. فالتاريخ لا يسجِّل الأماني ولا النيات بل الأفعـال والوقائـع. وما أشك، وهذه الوجوه المتجليـة فيها دلائل القوة والعزم ماثلة أمامي، في أنّ أفعالنا ووقائعنـا ستثبت حكم إرادتنـا التي لا تعرف عجزاً.
إننـا قد حرّرنا أنفسنا ضمن الحزب من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية، ولكن بقي علينا أن ننقذ أمتنا بأسرها، وأن نحرر وطننا بكامله. وفي هذا العمل الخطير نواجه صعوبات داخلية وخارجية يجب أن نتغلب عليها مبتدئين بالأول منها، لأنه لا يمكننا أن نتغلب على الصعوبات الخارجية تغلُّباً تاماً إلا بعد أن نكون تغلبنا على الصعوبات الداخلية، وأول ما يعترضنا من الصعوبات الداخلية هو خلوّ مجموعنا من تقاليد قومية راسخة نتربى عليها ونتمسك بها. فنفسياتنا الشخصية هي دائماً على تضارب مع نفسيتنا العامة في كل ما له علاقة بقضايانا العامة وكيفية التصرف فيها. أضف إلى ذلك التقاليد المتنافرة المستمدة من أنظمتنا المذهبية وتأثيرها في مقاومة وحدة الشعب القومية. ولا بد لي هنا من التصريح بأن الحزب السوري القومي قد أوجد طريقة التغلب على هذه الصعوبات بنظامه الذي يصهر التقاليد المنافية لوحدة الأمة والنفسيات الشخصية المنافية لنفسية الأمة، والنجاح الأخير يتوقف فعلاً على إدراكنا قيمة هذه الحقيقة وعلى تطبيقنا رموز الحزب الأربعة التي تربطنا ربطاً لا يحل التي هي: الحرية والواجب والنظام والقوة. وإنّ إدراكنا لحقيقة التغيُّر الذي قد شرع الحزب السوري القومي يحدثه في حياتنا القومية يجعلنا لا نغفل عن طبيعة التغيُّر وما يصحبه من حوادث. والحقيقة التي تثلج صدرنا هي أنّ السوريين القوميين عموماً يؤمنون بضرورة هذا التغيير إيماناً تاماً ويظهرون استعدادهم التام وعزمهم الأكيد على أن يحققوا انتصار مبادىء الحزب السوري القومي مبتدئين كل واحد بنفسه. وفي هذا الصراع بين عوامل الرجعة وعوامل التجدد نؤمن بانتصار القوى الجديدة، القوى المجددة، القوى التي تريد أن تتغلب على كل ما يقف في طريقها للخروج من حالة عفنة لا نظام فيها ولا قوة إلى حالة صحيحة عنوانها النظام وشعارها القوة، القوة الممثلة في الحزب السوري القومي.
كذلك أريد بهذه المناسبة أن أصرِّح أنّ نظام الحزب السوري القومي ليس نظاماً هتلرياً[1] ولا نظاماً فاشستياً[2]، بل هو نظام سوري بحت لا يقوم على التقليد الذي لا يفيد شيئاً بل على الابتكار الأصلي الذي هو من مزايا شعبنا. إنه النظام الذي لا بد منه لتكييف حياتنا القومية الجديدة ولصون هذه النهضة العجيبة التي ستغيِّر وجه التاريخ في الشرق الأدنى من تدخُّل العوامل الرجعية التي لا يؤمن جانبها والتي قد تكون خطراً عظيماً يهدد كل حركة تجديدية بالفساد في ظل النظام البرلماني التقليدي الذي لا سلطة له في التكييف، أزيد أيضاً أنّ نظامنا لم يوضع على قواعد تراكمية تمكن من جمع عدد من الرجال يقال إنهم ذوو مكانة يقفون فوق أكوام من الرجال تمثّل التضخم والتراكم بأجلى مظاهرهما، بل على قواعد حيوية تأخذ الأفراد إلى النظام وتفسح أمامهم مجال التطور والنمو على حسب مواهبهم ومؤهلاتهم. لقد بلغني وطرق أذنيّ مراراً أنّ أعضاء دخلوا الحزب متوقعين أن يروا أصحاب المكانة المتضخمة على رأسه، ولكن عجبهم لم يلبث أن تحوّل إلى إعجاب حين وجدوا أنّ سياسة الحزب الداخلية تتجه إلى الاعتماد على القوة الحقيقية - قوة السواعد والقلوب والأدمغة لا على قوة المكانة. إنّ مكانة كثيرين من رجال الزمن الذي نريد أن يزول مستمدة بالأكثر من مبادىء لا تتفق في جوهرها ولا في شكلها مع المبادىء التي ستجدَّد بها حيوية أمتنا.
إنّ مبادئنا القومية قد كفلت توحيد اتجاهنا، ونظامنا قد كفل توحيد عملنا في هذا الاتجاه، ونحن نشعر أنّ التغيير يفعل الآن فعله الطبيعي.
إنّ مبدأ «سورية للسوريين والسوريون أمة تامة» آخذ في تحرير نفسيتنا من قيود الخوف وفقدان الثقة بالنفس والتسليم للإرادات الخارجية.
ليست القومية إلا ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسها. ومن هذه الجهة نرى أنّ مبدأنا هذا يكسبنا الحيوية المطلوبة لجعل شخصيتنا القومية ذات مثال أعلى خاص وإرادة مستقلة هي أساس كل استقلال. ومبدأ إنّ «الأمة السورية هيئة اجتماعية واحدة»، مبدأ يجب أن يتغلغل في أعماق نفوسنا لأنه المبدأ الذي يضع شخصية أمتنا فوق جميع الأهواء والنزعات الموروثة من تربية لا تزال البعثات والمدارس الدينية تزيد ضرامها - حالة سيكون من أهم أعمالنا وضع حد لها وابتداء قومية صحيحة تحلّ محلها وتكفل توحيد عواطفنا. ومبدأ «إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج» مبدأ تقرر ليقوم عليه بناء نجاحنا الاقتصادي الذي لا بد منه لتوفير القوة المادية والحياة الصحيحة لمجموع الأمة.
تحت عوامل مبادىء الحزب السوري القومي تسير عملية تحرير أفكارنا من عقائد مهترئة وأوهام قعدت بنا عن طلب ما هو جدير بنا كالوهم الذي يدعو إليه فريق من ذوي النفوس السقيمة والعقول العقيمة، وهو أننا قوم ضعفاء لا قدرة لنا على شيء ولا أمل لنا بتحقيق مطلب أو إرادة، وأنّ أفضل ما نفعله هو أن نسلِّم بعجزنا ونترك شخصيتنا القومية تضمحل من بين الأمم ونقنع بكل حالة نصير إليها. إنّ السوريين القوميين قد حرروا أنفسهم من مثل هذا الوهم الباطل وأخذوا على أنفسهم تحرير بقية الأمة منه. هذه مسؤولية ملقاة على عاتق كل عضو من أعضاء الحزب السوري القومي وهي مسؤولية تصغر أمامها كل المسؤوليات الأخرى وتعظم مع عظمها حيوية كل فرد من أفراد مجموعنا. وسورية الناهضة القائمة على القوى القومية الجديدة، الممثَّلة في الحزب السوري القومي، ستكون غير سورية القديمة الرازحة تحت التقليد المسترسلة إلى أوهام فاقدي الروح القومية وعديمي الثقة بالنفس. إنّ سورية الحزب السوري القومي هي سورية الوحدة القومية المنظمة بطريقة تجعل المواهب المخزونة فيها قوة عامة قادرة على تحقيق ما تريد. إنّا نؤمن إيماناً تاماً بأن الروح المتولدة من مبادئنا ستنتصر انتصاراً نهائياً وتتغلب على جميع الصعوبات الداخلية وإذا كان ذلك يحتاج إلى وقت، فذلك لأن الوقت شرط أساسي لكل عمل خطير.
أما الصعوبات الخارجية فتهون متى تغلبنا على الصعوبات الداخلية وتمركزت إرادة أمتنا في نظامنا، الذي يضمن وحدتها ويمنع عوامل القسمة المتفشية خارج الحزب من التسرب إلى وحدتنا المتينة التي نضحي في سبيلها بكل ما تطلبه منا التضحية. وبهذه المناسبة لا أريد أن أتناول وجهة قضيتنا الخارجية بتمامها فلهذه فرصة عسى أن تكون قريبة. فأقتصر على ذكر مبدأ عام سائد في التاريخ هو أنّ مصير سورية يقرَّر بالمساومات الخارجية دون أن يكون للأمة السورية شأن فعلي فيه. وعلى هذا المبدأ تعتمد الدول الكبرى في مزاحمتها لبسط نفوذها علينا. وأنا أريد الآن أن أصرِّح أنّ إنشاء الحزب السوري القومي ونموه المستمر سيتكفلان بطرد مثل هذه الوساوس من رؤوس السياسيين الطامعين.
إننا نشعر الآن بوجود دعاية إيطالية قوية في هذه البلاد خصوصاً، وفي الشرق الأدنى عموماً. وكذلك نشعر نحن بمثل هذه الدعاية من جهة ألمانية وبمثل ذلك من دول أخـرى. فـزعامة الحزب السوري القومي تحذِّر جميع الأعضاء من الوقوع فريسة للدعايات الأجنبية. إننا نعترف بأن هنالك مصالح تدعو إلى إنشاء علاقات ودية بين سورية والدول الأجنبية وخصوصاً الأوروبية. ولكننا لا نعترف بمبدأ الدعاية الأجنبية. يجب أن يبقى الفكر السوري حراً مستقلاً أما المصالح المشتركة فنحن مستعدون لمصافحة الأيدي التي تمتد إلينا بنية حسنة صريحة في موقف التفاهم والاتفاق.
يجب على الدول الأجنبية التي ترغب في إيجاد علاقات ودية ثابتة معنا أن تعترف في الدرجة الأولى بحقنا في الحياة وأن تكون مستعدة لاحترام هذا الحق، وإلا فالإرادة السورية الجديدة لا تسكت عن المناورات السياسية التي يقصد منها استدراج أمتنا إلى تكرار الأغلاط السياسية التي ارتكبت والتي كانت وبالاً عليها.
إنّ مهمة صون نهضتنا القومية هي من أهم واجبات الحزب السوري القومي ولن نعجز عن القيام بها على أفضل وجه ممكن، فيمكن الدعايات الأجنبية أن تتفشى في فوضى الأحزاب ولكنها متى بلغت إلى السوريين القوميين وجدت سداً منيعاً لا تنفذ فيه، لأن السوريين القوميين حزب غير فوضوي ولأنهم لا يتمشون إلا على السياسة التي يقرها حزبهم. ليسوا هم جماعة مبعثرة بل قوة نظامية.
أعود فأقول إنّ هذه القوة النظامية ستغيِّر وجه التاريخ في الشرق الأدنى. ولقد شاهد أجدادنا الفاتحين السابقين ومشوا على بقاياهم أما نحن فسنضع حداً للفتوحات.
تحت طبقة الثرثرة والصياح المنتشرة فوق هذه الأمة يقوم السوريون القوميون بعملهم بهدوء واطمئنان، وتمتد روح الحزب السوري القومي في جسم الأمة وتنظم جماعاتها. ولكن سيأتي يوم، وهو قريب، يشهد فيه العالم منظراً جديداً وحادثاً خطيراً. رجالاً متمنطقين بمناطق سوداء على لباس رصاصي، تلمع فوق رؤوسهم حراب مسنونة، يمشون وراء رايات الزوبعة الحمراء يحملها جبابرة من الجيش. فتزحف غابات الأسنة صفوفاً بديعة النظام. فتكون إرادة للأمة السورية لا ترد. لأن هذا هو القضاء والقدر.
[1] هتلر، وتنسب إليه النازية وهي حركة سياسية تأسست في ألمانية بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تمكن المنتمون للحزب القومي الاشتراكي العمالي الألماني تحت زعامة أدولف هتلر من الهيمنة عام 1933 على السلطة في ألمانية. والنازية إيديولوجيا تقوم على التراتب العرقي وتضع العرق الآري الجرماني في قمة هرم البشرية.
[2] الفاشستية: تيار سياسي وفكري، ظهر في أوروبة، ظهر في العقد الثاني من القرن العشرين، له نزعة عنصرية تمجد الدولة إلى حد التقديس، ويرفض نموذج الدولة الذي ساد أوروبة منذ أواخر القرن التاسع عشر القائم على الليبرالية التقليدية والديموقراطية البرلمانية التعددية.